سورة المائدة - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)}
{اأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} إلى قوله: {فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، يعني عبد اللّه بن أُبي بن سلول إلى قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} يعني عبادة بن الصامت، وأصحاب رسول اللّه ثم قال: ولو كانوا يؤمنون باللّه ورسوله وما أُنزل إليه، ما اتخذوه أولياء، وقال بعض المفسّرين: لما أراد رسول اللّه أن يقتل يهود بني قينقاع حين نقضوا العهد، وكانوا حلفاً لعبد اللّه بن أبي سلول وسعد بن عبادة بن الصامت، فأما عبد اللّه بن أُبي فعظم ذلك عليه، وقال: ثلاثمائة دارع وأربعمائة منعوني من الأسود والأحمر أفأدعك تجدهم في غداة واحدة، وأما سعد وعبادة فقالا: إنا برآء إلى اللّه وإلى رسوله من حلفهم وعهدهم فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال جابر بن عبد اللّه: «جاء عبد اللّه بن سلام إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول اللّه إن قومنا من قريظة والنضير، قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل وشكى ما يلقى من اليهود من الأذى. فنزلت الآية فقرأها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: رضينا باللّه ورسوله وبالمؤمنين أخوة» على هذا التأويل أراد بقوله راكعون صلاة التطوع بالليل والنهار.
قال ابن عباس، وقال السدي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبد اللّه: إنما يعني بقوله: {والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة} الآية. علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرّ به سائل وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه.
أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد، أبو محمد عبد اللّه بن أحمد الشعراني، أبو علي أحمد بن علي بن زرين، المظفر بن الحسن الأنصاري، السدي بن علي العزاق، يحيى بن عبد الحميد الحماني عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن عبادة بن الربعي، قال: بينا عبد اللّه بن عباس جالس على شفير زمزم إذ أقبل رجل متعمم بالعمامة فجعل ابن عباس لا يقول، قال رسول اللّه: إلاّ قال الرجل: قال رسول الله؟ فقال ابن عباس: سألتك باللّه من أنت؟ قال: فكشف العمامة عن وجهه، وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جُندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بهاتين وإلاّ صمّتا ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا يقول: عليّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول اللّه يوماً من الأيام صلاة الظهر فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد إني سألت في مسجد رسول اللّه فلم يعطني أحد شيئاً وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصلاة فرفع رأسه إلى السماء وقال: «اللهم إن أخي موسى سألك، فقال: {قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لي أَمْرِي * واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * *اشدد بِهِ أَزْرِي} [طه: 25-31] الآية، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} [القصص: 35] اللهم وأنا محمد نبيّك وصفيّك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أُشدد به ظهري» قال أبو ذر: فواللّه ما استتم رسول اللّه الكلمة حتى أنزل عليه جبرئيل من عند اللّه، فقال: يا محمد إقرأ، فقال: «وما أقرأ؟» قال: إقرأ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ}، إلى {رَاكِعُونَ}.
سمعت أبا منصور الجمشادي، سمعت محمد بن عبد اللّه الحافظ، سمعت أبا الحسن علي بن الحسن، سمعت أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي، سمعت محمد بن منصور الطوسي، سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الفضائل مثل ما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
أبو عبد اللّه بن فنجويه، عمر بن الخطاب، إبراهيم بن سهلويه، محمد بن رجاء العباداني. حدّثني عمر بن أبي إبراهيم، حدّثني المبارك بن سعيد وعمار بن محمد عن سفيان عن أبيه عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} الآيتان الخبر.
عن محمد بن عبد اللّه، أحمد بن محمد بن إسحاق البستي، حامد بن شعيب، شريح بن يونس، هشيم بن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} قال: هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله} يعني أنصاري من اللّه.
قال الراجز:
وكيف أضوي وبلال حزبي ***
أي ناصري.
{هُمُ الغالبون * ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً} الآية.
قال الكلبي: كان منادي رسول اللّه إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا، ركعوا لا ركعوا، سجدوا لا سجدوا، على طريق الإستهزاء والضحك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
قال السدي: نزلت في رجل من النصارى كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول اللّه، قال: أحرق اللّه الكاذب، فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فتطاير منها شرارة في البيت فأحرق البيت وأحرق هو وأهله.
وقال الآخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان كذبوا رسول اللّه والمسلمين على ذلك فدخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد لقد ابتدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية فإن كنت تدّعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياءَ قبلك ولو كان في هذا الأمر خير لكان بادئ ما تركه الناس بعد الأنبياء والرسل قبلك فمن أين لك صياح كصياح البعير فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر، فأنزل اللّه هذه الآية. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً} [فصلت: 33].
فأما بعد الأذان. قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر، أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، زياد بن أيوب وأبو بكر بن أبي النضير الأسدي، حجاج بن محمد قال: قال ابن جريح عن نافع عن ابن عمر أبو الحسين قال: أبو العباس السراج، محمد بن سهيل بن عسكر، أبو سعيد الحداد، خالد بن عبد اللّه الواسطي، عن عبد الرحمن بن يحيى عن الزهري عن سالم عن أبيه، وحديث عن الحسن بن شقيق، إسماعيل بن عبيد الخزاعي، محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد اللّه بن زيد الأنصاري عن أبيه قال: «كان المسلمون حيث قدموا المدينة يجتمعون فيجيبون الصلاة وليس ينادي بهن فتكلموا في ذلك فاستشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المسلمين فيما يجيبهم الصلاة. فقال بعضهم: يقلب راية فوق رأس المسجد عند الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضاً فلم يعجبه ذلك، وقيل: بل نؤجج ناراً، وقال بعضهم: بل قرن مثل قرن اليهود فكرهه من أجل اليهود وقيل: الناقوس فكرهه من أجل النصارى ولكن عليه قاموا وأمر بالناقوس حتى يجيب.
قال عبد اللّه بن زيد: فرأيت تلك اللية رجلاً في المنام عليه ثوبان أخضران ويحمل ناقوساً فقلت يا عبد اللّه إتبع الناقوس قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به الناس إلى الصلاة، قال: أفلا أدلّك على ما هو خير منه؟ قلت: بلى، قال: قل: اللّه أكبر، اللّه أكبر إلى آخر الأذان ثم إستأخر غير بعيد، وقال: إذا قامت الصلاة فقل: اللّه أكبر، اللّه أكبر فوصف له الإقامة فرادى، فلما استيقظت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال: إنها رؤيا حق إنشاء اللّه فاتلها على بلال فإنه أندى منك صوتاً، قال: فخرجنا إلى المسجد فجعلت ألقيها على بلال وهو يؤذن فسمع عمر في بيته فخرج يجر رداءه فقال: رأيت مثل الذي رأى ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ذلك أثبت».
وروى أبو الزاهرية عن أبي شجرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل من أذّن في السماء فسمعه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه».
فأما فصل الأذان، فحدثنا أبو الحسن بن محمد بن القاسم الفارسي، عبد اللّه محمد بن إسحاق بن يحيى، أبو جعفر بن عبد اللّه بن الصياح، أبو عمر الدوري، أبو إبراهيم البرجماني عن سعيد بن سعيد عن نهشل أبي عبد اللّه القرشي عن الضّحاك عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا يفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر: حامل القرآن يؤديه إلى اللّه بما فيه يقدم على ربّه سيّداً شريفاً، ومؤذن أذن سبع سنين يأخذ على أذانه طمعاً وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ومؤدي حقّ مولاه».
أحمد بن محمد بن جعفر، أبو الحسن علي بن محمد القاضي، علي بن عبد العزيز أبي عمرو ابن عثمان حدثهم أبو ثميلة عن أبي حمزة عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أذّن سبع سنين محتسباً كتب له براءة من النار».
أبو الحسن الفارسي، أبو العلاء أحمد بن محمد بن كثير، [.....] بن محمد، محمد ابن سلمة الواسطي، حميد بن سلمة الواسطي، حميد الطوسي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أذن سنة من نية صادقة لا يطلب عليه أجر دعي يوم القيامة ووقف على باب الجنة وقيل له: إشفع لمن شئت».
أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد التمار، أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن دينار محمد ابن الحجاج بن عيسى، إبراهيم بن رستم، حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أذّن خمس صلوات إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن أمّ أصحابه خمس صلوات إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه».
أبو العباس سهل بن محمد بن سعيد المروزي، الحسن بن محمد بن جشم أبو الموجة، عبدان، عبدالوارث، ومرّة الحنفي، يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنه قال: «إذا كان عند الأذان فتحت أبواب السماء فاستجيب الدعاء وإذا كان عند الإقامة لم يردّ دعواه».
أبو القاسم طاهر بن المعري، أبو محمد عبد اللّه بن أحمد المقري بالبصرة، عبد اللّه ابن أحمد الجصاص، يزيد بن عمر وأبو البر الغنوي، نائل بن نجيح، محمد بن الفضل عن سالم عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن المحتسب كالشهيد يتشحّط في دمه حتى يفرغ من أذانه ويشهد له كل رطب ويابس فإذا مات لم يدوّد في قبره».
أبو محمد بن عبد اللّه بن حامد الصفياني، محمد بن جعفر الطبري قال: حماد بن الحسن، صالح ابن سليمان صاحب القراطيس، عتاب بن عبد الحميد السدوسي عن مطر عن الحسن عن أبي الوقّاص أنه قال: سهام المؤذنين عند اللّه يوم القيامة كسهام المهاجرين.
وقال عبد اللّه بن مسعود: لو كنت مؤذناً لما باليت ألاّ أحج ولا أعتمر ولا أجاهد، قال:
وقال عمر بن الخطاب: لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتسب لقيام ليل ولا لصيام نهار. سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إغفر للمؤذنين، اللهم إغفر للمؤذنين، اللهم إغفر للمؤذنين».
فقلت: يا رسول اللّه لقد تركنا ونحن خيار على الأذان بالسيوف. قال: «كلاّ يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها اللّه على النار لحوم المؤذنين».
{قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ} الآية.
قال ابن عباس:أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود، أبو ياسر بن الخطاب ورافع بن أبي رافع وعازار وزيد بن خالد وأزاريل أبي واشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال: «أؤمن باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إلى قوله مسلمون»، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته قالوا: واللّه ما نعلم أهل دين أولى حظاً في الدنيا والآخرة ديناً ولا دنيا شرار دينكم فأنزل اللّه هذه الآية ثم قال: قل يا محمد {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أخبركم {بِشَرٍّ مِّن ذلك} الذين ذكرت يعني قولهم لم نر أهل دين أولى حظاً في الدنيا والآخرة منكم فذكر الجواب بلفظ الإبتداء وإن لم يكن الإبتداء شراً كقوله تعالى للكفّار {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} [الحج: 72] {مَثُوبَةً عِندَ الله} ثواباً وجزاءاً وهو نصب على التفسير كقوله أكثر منك مالاً وأعز نفراً وأصلها مثووبة على وزن مفعوله وقد جاءت مصادر على وزن المفعول نحو المفعول والميسور فأسقط عين الفعل استثقالا على الواو ونقلت حركتها إلى فاء الفعل وهي الثاء فصار مثوبة مثل معونة ومغوثة ومقولة {مَن لَّعَنَهُ الله} ويجوز أن يكون محل من خفضاً على البدل ومن قوله بشر أو على معنى لمن يلعنه اللّه ويجوز أن يكون رفعاً على إضمار هو.
ويجوز أن يكون نصباً على إيقاع أُنبئكم عليه {وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} فالقردة: أصحاب السبت. والخنازير: كفّار أهل مائدة عيسى.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن المسخين كلاهما من أصحاب نقبائهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير، {وَعَبَدَ الطاغوت} فيه عشر قراءات، وعبد الطاغوت بفتح الباء والعين والتاء على الفعل وهي قراءة العامة، وجعل منهم من عبد الطاغوت، وتصديقها قراءة إبن مسعود ومن عبد والطاغوت.
وقرأ ابن وثاب وحمزة. عَبُدِ الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر الدال آباد العبد وهما لغتان عَبدْ وعَبُد مثل سبْع وسبُع وقرْد وقرُد.
وأنشد حمزة في ذلك: كيف الصقيل القرد، بضم الراء ووجه آخر وهو إنه أراد الجمع أي خدم الطاغوت. فجمع العبد عباد ثم جمع العباد عبداً جمع الجمع مثل ثمار وثمر منهم استقبل الضمّتين المتواليتين فعرض من الأولى فتحه ولذلك في قراءة الأعمش وعبد الطاغوت بضم العين والتاء وكسر الدال.
قال الشاعر:
إنسب العبد إلى آبائه *** أسود الجلدة من قوم عبد
وذكر عن أبي جعفر القاري: إنه قرأ وعبد الطاغوت على الفعل المجهول، وقرأ الحسن: وعبد الطاغوت على الواحد.
قرأ أبو بردة الأسلمي: وعابد الطاغوت باختلاف على الواحد.
وقرأ ابن عباس: وعبيد الطاغوت بالجمع، وقرأ أبو واقد الليثي: وعباد الطاغوت مثل كافر وكفار، وقرأ عون العقيلي وأبان بن ثعلب: وعبد الطاغوت مثل ركع وسجد. وقرأا بن عمير: واعبد الطاغوت مثل كلب وأكلب {أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل} فلما نزلت هذه الآية تنذّر اليهود وقالوا إخوان القردة والخنازير فسكتوا وأُفحموا، وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة اللّه على اليهود *** إن اليهود إخوة القرود
{وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا} الآية، فهؤلاء المنافقون قاله المفسرّون.
وقال ابن زيد: هؤلاء الذين قالوا: {آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ النهار} [آل عمران: 72] الآية.
وهذا التأويل أليق بظاهر التنزيل لأن هذه الآيات نزلت في اليهود {وترى كَثِيراً مِّنْهُمْ} يعني من اليهود {يُسَارِعُونَ فِي الإثم والعدوان وَأَكْلِهِمُ السحت} إلى قوله: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار} يعني العلماء وقيل: الربانيون علماء النصارى، والأحبار علماء اليهود.
وقرأ أبو واقد الليثي، وابن الجراح العقيلي: الربيون كقوله: {مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146].
{عَن قَوْلِهِمُ الإثم} وهذه أشد آية على ما أتى النهي عن المنكر حيث أنزلهم منزلة من يرتكبه وجمع بينهم في التوبيخ.
الحسن بن أحمد بن محمد، وشعيب بن محمد بن شعيب عن إبراهيم بن عبد اللّه بن محمد بن عدي، الأحمسي، البخاري عن عبد الحميد بن جعفر عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن جرير عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يجاور قوماً فيعمل بالمعاصي بين ظهرانيهم فلا يأخذون على يديه إلاّ وأوشك اللّه أن يعمهم منه بعقاب».
أبو عبد اللّه محمد، أحمد بن محمد بن يعقوب، عبد اللّه بن أسامة، أسيل بن زيد الجمال، يحيى بن سلمى بن مهنا عن أبيه عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «مثل الفاسق في القوم مثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل إنسان فيها نصيب، فأخذ رجل منهم فأساً فجعل يضرب في موضعه فقال أصحابه: أي شيء تصنع تريد أن تغرق وتغرقنا؟ فقال: هو مكاني فإن أخذوا على يديه نجوا ونجا وإن تركوه غرقوا وغرق».
وقال مالك بن دينار: أوصى اللّه إلى الملائكة أن عذّبوا قرية كذا فصاحت الملائكة إلى ربها: يا رب إن فيهم عبدك العابد. فقال: أسمعوني ضجيجه فإن وجهه لم يتغير غضباً لمحارمي وأوحى اللّه إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم. فقال: يا ربّ فهؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وواكلوهم وشاربوهم.


{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
{وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ}.
قال ابن عباس وعكرمة والضحّاك وقتادة: إن اللّه كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالاً وأخصبهم ناحية فلما عصوا اللّه في محمد عليه السلام وكذبوا به كفى اللّه عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك قال فنحاص بن عازورا: يد اللّه مغلولة لم يريدوا إلى عنقه ولكنهم أرادوا إنها مقبوضة بمعنى منه ممسكة عن الرزق فنسبوه إلى البخل.
وقال أهل المعاني: إنما قال هذه المقالة فنحاص فلم ينهوا الآخرون ورضوا بقوله فأشركهم اللّه فيها وأرادوا باليد العطاء لأن عطاء الناس بذل معروفهم في الغالب بأيديهم واستعمل الناس اليد في وصف الإنسان بالرد والبخل.
قال الشاعر:
يداك يدا مجد فكف مفيد *** وكف إذا ما ضن بالمال ينفق
ويقال للبخيل: جعد الأنامل، مقبوض الكف، كز الأصابع، مغلول اليدين، قال اللّه {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} الآية [الإسراء: 29].
قال الشاعر:
كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها *** وكل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعداً أنامله *** كأنما وجهه يأكل منضوج
وقال الحسن: معناه يد اللّه مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلاّ بما يقرّبه قيمة قدر ما عبد آباؤنا العجل. وهو سبعة أيّام.
وقال مجاهد والسدّي: هو أن اليهود قالوا إن اللّه لما نزع ملكنا منا وضع يده على صدره يحمد إلينا ويقول: يا بني إسرائيل، يا بني أحباري لا أبسطها حتى أرد عليكم الملك. والقول الأول أولى بالصواب لقوله: {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} وقيل: هو استفهام تقديره: أيد اللّه مغلولة عنا؟ حيث قتّر المعيشة علينا قال اللّه {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أي مسكت أيديهم عن الخيرات وقبضت عن الانبساط بالعطيات.
وقال يمان بن رئاب: شدد وثقل عليهم الشرائع، بيانه قوله: {والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] وقيل: هو من الغل في النار يوم القيامة كقوله: {إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 71] {وَلُعِنُواْ} عذبوا {بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} إختلفوا في معنى يد اللّه سبحانه، فقال قوم: إن له يداً لا كالأيدي وأشاروا باليد إلى الجارحة ثم قصدوا نفي التشبيه بقوله لا كالأيدي وهذا غير مرضي من القول وفساده لا يخفى.
وقال الآخرون: يده قدرته لقوله: {أُوْلِي الأيدي والأبصار} [ص 45].
وقيل: هو ملكه كما يقال لمملوك الرجل، هو ملك يمينه. قال اللّه تعالى {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} [البقرة: 237] أي إنه يملك ذلك، وعلى هذين القولين يكون لفظه مشبه ومعناه واحد لقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] أراد به جنة واحدة. قاله الفرّاء: وأنشدني في بعضهم:
ومنهم يدين قدمين مرتين *** قطعة بالألم لا بالسمينين
أراد منهما واحداً وسمنة واحدة.
قال وأنشد في آخر:
يمشي مكبداً ولهزمين *** قد جعل الأرطا جنتين
أراد لهزماً وجنة.
وقيل: أراد بذلك نعمتاه.
كما يقال: لفلان عندي يداً نعمة، وعلى هذا القول يكون بعضه تشبيه ومعناه جمع كقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]. والعرب تضع الواحد موضع الجمع كقوله: {وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً} [الفرقان: 55]. {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] و{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 2] ونحوها، ويقول العرب: ما أكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، ويضع التشبيه أيضاً موضع الجمع كقوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] فأراد الجمع. قال امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ***
يدل عليه:وقوفاً بها صحبي على مطيّهم..... يقول بأنه أخذ الجمع. قال محمد بن مقاتل الرازي: أراد نعمتان مبسوطتان نعمته في الدنيا ونعمته في الآخرة، وهذه تأويلات مدخولة لأن اللّه عز وجل ذكر له خلق آدم بيده على طريق التخصيص والتفضيل لآدم على إبليس، ولو كان تأويل اليد ما ذكروا لما كان لهذا التخصيص والتفضيل لآدم معنى لأن إبليس أيضاً مخلوق بقدرة اللّه وفي ملك اللّه ونعمته.
وقال أهل الحق: إنه صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه، قال الحسن: إن اللّه سبحانه يداه لا توصف، دليل هذا التأويل إن اللّه ذكر اليد مرّة بلفظ اليد فقال عز من قائل {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله} [آل عمران: 73] {بِيَدِكَ الخير} [آل عمران: 26] {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} [الملك: 1].
وقال عليه السلام: «يمين اللّه ملأن لا يعيضن نفقة فترد به» وقال عز وجل مرّة وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.
وقال عز وجل: وكلتا يديه يمين وجمعه مرّة فقال: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً} [يس: 71] قوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} بإنكارهم ومخالفتهم وتركهم الإيمان {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء} يعني من اليهود والنصارى {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ} يعني اليهود والنصارى أفسدوا وخالفوا حكم التوراة فغضب اللّه عز وجل فبعث عليهم بخّت نصّر ثم أفسدوا فبعث اللّه عليهم وطرس الرومي ثم أفسدوا فسلّط اللّه عليهم المجوس ثمّ أفسدوا فسلّط الله عليهم المسلمين وكانوا كلما استقام أمرهم شتتهم اللّه تعالى وكلما جمعوا أمرهم على حرب رسول اللّه وأوقدوا ناراً للحرب {أَطْفَأَهَا الله} وقهرهم ونصر نبيه ودينه {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً} الآية {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب آمَنُواْ واتقوا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ} الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل} يعني أقاموا أحكامهما وحدودهما وعملوا بما فيهما {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ} أي القرآن. وقيل: كُتب بني إسرائيل {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} يعني المطر {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} يعني النبات.
وقال الفرّاء: إنما أراد به التوسعة كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه، نظيره {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء} [الأعراف: 96] {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} يعني مؤمني أهل الكتاب. ابن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون رجلاً من النصارى وهم النجاشي وبحيرا وسلمان الفارسي وخير مولى قريش وأصحابهم.
قال ابن عباس: هم العاملة غير العالية ولا الحافية {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} كعب بن الأشرف وأصحابه، وأهل الروم. {سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ}.


{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)}
{ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ}.
إختلفوا في تنزيل هذه الآية وتأويلها فروى محمد بن كعب القرضي عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فينزل تحتها ويقيل، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه عليها فأتاه إعرابي وأخذ السيف من الشجرة وأخترطه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال: «اللّه». فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه وضرب برأسه الشجرة حتى إنفرد ساعة فأنزل اللّه الآية.
وقال أنس:كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس، قال: وقالت عائشة: فكنت ذات ليلة إلى جنبه فسهر تلك الليلة، فقلت: يا رسول اللّه ما شأنك؟ فقال: «ليت رجل صالح حرسني الليلة»قالت: فبينما نحن في ذلك حتى سمعت صوت السلاح. فقال: من هذا؟ قال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك، فنام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه فنزلت الآية فأخرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أديم وقال: «إنصرفوا أيها الناس فقد عصمني اللّه عز وجل».
وروى الحسن مرسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لمّا بعثني الله برسالته فضقت بها ذرعاً وعرفت إن من الناس من يكذبني» وكان عتابه قريشاً واليهود والنصارى فأنزل اللّه الآية، قلت: ولما نزل قوله: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [الأنعام: 108] سكت النبي عليه السلام عن عيب الهتهم فأنزل اللّه تعالى {ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] يعني معايب آلهتهم.
وقيل: نزلت فى عيب اليهود وذلك إنه عليه السلام دعا اليهود إلى الإسلام وقالوا: أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزئون به ويقولون: تريد أن نتّخذك عياناً كما اتخذت النصارى عياناً عيسى، فلما رأى النبي عليه السلام ذلك سكت فحرضه اللّه على دعائهم إلى الإسلام وأمره أن يقول لهم. {اأهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيْءٍ} الآية.
قال الحسين بن الفضل: وهذا أولى الأقاويل لأنه ليس بين قوله بلّغ ما أنزل إليك وبين قوله لستم على شيء فصل.
فلما نزلت الآية قال عليه السلام: «لا يأتي من عندي ومن نصرني» وقيل: نزلت في قصة عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة وقيل: بلغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص ومرّ في قصة. وقيل: بلغ ما أنزل إليك من أمر نسائك. وذلك أن رسول اللّه لما نزلت آية التخيير لم يكن يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا فأنزل اللّه، وقيل: بلغ ما أنزل إليك في أمر زينب بنت جحش، وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك إن المنافقين كرهوه، قال اللّه: {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القتال} [محمد: 20] الآية وكرهه أيضاً بعض المؤمنين قال اللّه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ} [النساء: 77] الآية، وكان عليه السلام يمسك في بعض المسلمين عن الحث على الجهاد لما يعلم من كراهة القوم فأنزل اللّه الآية.
وقال أبو جعفر محمد بن علي: معناه: بلّغ ما أنزل إليك في فضل علي بن أبي طالب، فلما نزلت الآية أخذ عليه السلام بيد علي، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
أبو القاسم يعقوب بن أحمد السري، أبو بكر بن محمد بن عبد اللّه بن محمد، أبو مسلم إبراهيم ابن عبد اللّه الكعبي، الحجاج بن منهال، حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لما نزلنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كنّا بغدير خم فنادى إن الصلاة جامعة وكسح رسول اللّه عليه الصلاة والسلام تحت شجرتين وأخذ بيد علي، فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: «ألست أولى بكل مؤمن من نفسه»؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: «هذا مولى من أنا مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه». قال: فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
روى أبو محمد عبداللّه بن محمد القايني ن أبو الحسن محمد بن عثمان النصيبي ن: أبو بكر محمد ابن الحسن السبيعي ن علي بن محمد الدّهان، والحسين بن إبراهيم الجصاص قالانا الحسن بن الحكم ن الحسن بن الحسين بن حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {ياأيها الرسول بَلِّغْ} قال: نزلت في علي رضي الله عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ فيه فأخذ عليه السلام بيد علي، وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».
وبلغ ما أنزل إليك في حقوق المسلمين فلما نزلت الآية خطب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أي يوم هذا الحديث في خطبة الوداع، ثم قال: «هل بلّغت».
{وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} قرأ ابن محيصن وابن قفال وأبو عمرو والأعمش وشبل: رسالته، على واحدة، وهي قراءة أصحاب عبد اللّه. الباقون جمع.
فإن قيل: فأي فائدة في قوله: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ولا يقال: كل من هذا الطعام وإن لم تأكل فما أكلته.
الجواب فيه ما سمعت فيه أبا القاسم بن جندب سمعت علي بن مهدي الطبري يقول: أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تبليغ ما أنزل إليك في الوقت والإتيان فيه.
حتى تكثر الشركة والعدة وإن لم يفعل على كل ما أوصى اللّه إليه واحكم اللّه أن حرّم بعضها لأنه كمن لم يبلغ لأن تركه إبلاغ البعض محيط لإبلاغ ما بلغ. كقوله: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ} [النساء: 150] الآية.
فاعلم أن إيمانهم بالبعض إلى بعضهم وأن كفرهم بالبعض يحيط الإيمان بالبعض. وحاشى لرسول اللّه أن يكتم شيئاً مما أوحى اللّه.
قالت العلماء: الدعوة بقراءة الصلاة إذ البعض ركن من أركانها.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن الأخدش يحكي عن الحسن ابن الفضل أنّه قال: معنى الآية بلغ ما أنزل إليك في الوقت حتى تكثر الشوكة والعدّة، ومن لم يفعل هذا كتب كمن لم يبلغ، وقيل: بلغ مجاهداً محتسباً صابراً غير خائف، وقيل: بلغ ما أنزل إليك من ربك إلى جميع الناس ولا تخاف.
وهذه من الحدود التي يدل مقام القطع عليه.
{والله يَعْصِمُكَ} يحفظك ويمنعك {مِنَ الناس} ووجه هذه الآية، وقد شجّ جبينه وكسُرت رباعيته وأوذي في عدة مواطن بضروب من الأذى، فالجواب أن معناها واللّه يعصمك منهم فلا يصلون إلى مثلك، وقيل: نزلت هذه الآية بعد ما شجّ جبينه وكسرت رباعيته لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن.
وقيل: معناه واللّه يعصمك يخصك بالعصمة من بين الناس لأنه كان نبي الوقت والنبي معصوم.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} عن عبد اللّه الحسين بن محمد الديلمي، محمد ابن إسحاق السبتي، أبو عروة، عمرو بن هشام، محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن أبي عبد الملك عن القاسم عن أبي أُمامة قال: كان رجل من بني هاشم يقال له ركانة وكان من أفتك الناس وأشدهم بأساً وكان مشركاً وكان يرعى غنماً له ويقال له أقسم فخرج نبي اللّه صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة ذات يوم متوجهاً قِبَل ذلك الوادي فلقيه ركانة وليس مع نبي اللّه أحد فقام إليه ركانه وقال: يا محمد أنت الذي تشتم الهتنا اللات والعزى وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم؟ ولو لا رحم بيني وبينك ما كلمتك حتى أقتلك ولكن أدع الهك العزيز الحكيم يخلصك مني اليوم وسأعرض عليك أمراً هل لك أن أصارعك وتدعو إلهك العزيز الحكيم يعينك عليّ وأنا أدعو اللات والعزى فإن أنت صرعتني فلك عشرة من غنمي وتختارها فقال عليه السلام: قم إن شئت واتخذ العهد ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على ركانة، ودعا ركانة إلهه اللات والعزى- أن أعنّي اليوم على محمد فأخذه النبي عليه السلام فصرعه وجلس على صدره.
فقال ركانة: يا محمد قم فلست الذي فعلت هذا بي إنما إلهك العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى وما وضع أحد جنبي قبلك، فقال ركانة: عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى ومن خيارها. فقام النبي عليه السلام ودعا كل واحد منهما إلهه كما فعلا أول مرّة فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم وجلس على كبده، فقال له ركانة: فلست أنت الذي فعلت فيّ هذا إنما فعله إلهك العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى وما وضع جنبي أحد قبلك، فقال له ركانة: عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى تختارها فأخذ مني اللّه ودعا كل واحد منهما إلهه فصرعه نبي اللّه الثالثة، فقال له ركانة: لست أنت الذي فعلت بي هذا إنما فعله إلهك العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى فدونك ثلاثين شاة من غنمي فأخسرها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا أريد ذلك ولكن أدعوك إلى الإسلام وأركانه وأنفس بك أن تصير إلى النار، إنك إن تُسلم تسلم فقال له ركانة: ألا تريني آية، فقال له نبي اللّه عليه السلام اللّه شهيد عليك لئن أنا دعوت ربي عز وجل لهذا لتجيبني إلى ما دعوتك إليه؟ قال: نعم، وقريب منهما شجرة ذات فروع وقضبان فأشار نبي اللّه عليه السلام، فقال لها: أقبلي بإذن اللّه فانشقت إثنتين وأتت على نصف شقها وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وبين ركانة فقال له ركانة: أريتني عظيماً، فمرها فلترجع، فقال عليه السلام اللّه شهيد عليك لئن أنا دعوت ربي عز وجل فأمرها فرجعت لتجيبني إلى ما دعوتك إليه؟
قال: نعم، فأمرها النبي عليه السلام فرجعت بقضبانها وفروعها حتى إلتأمت فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم، فقال له ركانة: فما لي ألاّ أكون أما أنا فقد رأيت عظيماً، ولكني أكره أن يتحدث فينا أهل المدينة وفتيانهم فيّ إنما أجيبك لرعب دخل قلبي منك، ولكن قد علمت في أهل المدينة وصبيانهم إنه لم يوضع جنبي قط ولم يدخل قلبي رعب ساعة قط ليلاً ولا نهاراً فلك دونك فاختر غنمك، فقال عليه السلام: ليس في حاجة إلى غنمك إذ أبيت أن تسلم، فانطلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم راجعاً فأقبل أبو بكر وعمر يسألانه في بيت عائشة فأخبرتهما إنه قد توجه قِبَل وادي أضم وقد عرفا إنه وادي ركانة لا يخطيه، فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله، فجعلا يصعدان على كل شرفة ونظرا فإذا هما كذلك إذ نظر نبي اللّه عليه السلام مقبلاً، فقالا: يا نبي اللّه كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك وقد عرفت إنه جهة ركانة وإنه من أفتك الناس وأشدهم تكذيباً لك، فضحك إليهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «اليس اللّه يقول: {رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} إنه لم يكن يصل إليّ واللّه معي» وأنشأ يحدثهما حديث ركانة والذي فعله به والذي أراه فعجبا من ذلك وقالا: يا رسول اللّه عرفت ركانة فلا والذي بعثك بالحق ما نعلم إنه وضع جنبيه إنسان قط، فقال عليه السلام: «إني دعوت ربي عز وجل فأعانني عليه، وإن ربي قال خذ عشرة لك وبقوة عشرة».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8